في مصر هناك تصنيف عام للقطارات, منها ما هو للركاب والآخر يهتم بالبضائع, وتختلف تسعيرة التذكرة بالنسبة لقطارات الركاب على حسب نوع هذا القطار وحسب الخدمات التي تقدمها هيئة السكة الحديد لرواد هذا القطار, ولنبدأ بترتيبها من حيث السعر تصاعديا من الأرخص إلى الأغلى:

أولا : القطار المميزII
سمي هذا القطار بهذا الاسم لأنك يمكن ان تعلم اقتراب وصوله إلى المحطة من مجرد التقاط منخارك لرائحته النفاذة المميزة, فلا يمكن ان تختلط معك رائحته مع رائحة قطار مجري او اسباني او النوم, او حتى قطارات البضائع, فقد صنعت خصيصا بهذه الرائحة حتى يسهل للمواطنين التنبؤ بميعاد وصوله حتى لا يملوا الانتظار, واذا كنت مصابا بزكام يمكنك ان تسأل احد رواد المحطة:

انت شميت حاجة؟ فيرد الآخر قائلا , لا لسه!!!!
طب لما تشم حاجة ابقى قوللي!!!

وبعيدا عن مسماه, فإنه أيضا يتميز بعدة مميزات أخرى, فهو القطار الفريد من نوعه في مصر حيث يكون مصرح لبائع التذاكر ببيع عدد لا نهائي لأي وجهة وفي اي وقت لزبائن الهيئة, وذالك ايمانا من القائمين على الهيئة بأن العربة الواحده فيها مساحة لا نهائية, بداية من الكراسي, ثم إلى الرواق حتى إلى السرائر العلوية " كان استخداها الاصلي وضع الحقائب ", كما انه القطار الوحيده المؤمن بمبدأ تكافؤ الفرص, حيث يحمل بين جدرانه كل انواع المواطنين المصريين, بداية من المزروعات من برسيم وملوخية إلى النمل والحشرات و الفئران والقوارض, اضافة إلى الحمام والبط صعودا إلى أسياد الارض وهم البشر, والذين يتخذون هذا القطار كأسرع وسيلة للانتحار في المواسم والاعياد.


أما الغريب بالفعل هو تسميته برمز II والتي يدل على انه من الدرجة التانية, وعندما تبحث عن المميز الدرجة الاولى, فإنك لا تجد شيئا, ولكن بعد بحث وتمحيص, جاءني الخبر اليقين, بأن أحد المستثمرين اقترض مجموعه قطارات المميز I وهرب بها إلى كولالامبور حيث بعاها بأسعار مهولة ليساعد في تأمين مستقبل أبنائه.



ثانيا: القطارات المكيفة:


أ.حورس:


قطار اجتماعي من الدرجة الاولى, يقسم القطار من الداخل إلى كبائن, حيث يقوم الراكب بحجز مقعد في أحد الكبائن , وحين يأتي ميعاد السفر, يدخل صاحبنا زبون الهيئة العزيز على كبينته ليجد مجموعه اخرى من الزباين الاعزاء, ويحبسون معا في هذا الكبينة إلأى ان يصلوا إلى وجهتهم بسلام, فتتزايد روابط المحبة والالفة بين فئات الشعب المصري المختلفة وتزول طبقات الثلج التي تفصل ما بينهم, وتتزايد نقاشاتهم حول أمور الدنيا المختلفة, ويكون كل شخص فيهم منتظرا لحظة نوم الآخر حتى يقوم بأجمل مظاهر الأخوية المصرية " جيب اخويا زي جيبي بالضبط".


وهنا يجب ان نشكر المسؤولين لتفكيرهم العميق في مصلحة الشعب المصري وجعله مترابطا ومتآلفا هذا الشكل العفوي الجميل.


بـ. القطار المجري:


هذا القطار يختلف في اصله ونسبه, فمنهم من ينسبونه للمجر قائلين بانه مجري, والآخر ينسبونه لفرنسا, قائلين بأنه فرنسي, بما ان فرنسا هي مخترعة العطور, ومع النظر او الشم بمعنى اصح إلى رائحة القطار , والتي تشبه كثيرا إلى رائحة "المجاري" فأنا اعتقد ان نسبها للمجر او الامر الأكثر دقه.


وعلى الرغم من أن هذا القطار من مصنف ضمن القطارات المكيفة التي يتزايد الطلب عليها في موسم الصيف وقاية من الحر الشديد, فإني اصنفها ضمن قطارات المحابس الحرارية, حيث ان مكيفاتها لا تعمل إلى في لحظات قليلة جدا فقط لتغير الهواء لمنع حالات الاختناق, بين الركاب الأعزاء.ودون ذلك فلا يوجد مصدر آخر للهواء, وبما ان النوافذ الزجاجية تسمح بمرور الحرارة والضوء في اتجاه واحد فقط, فإنك ستشعر بحرارة ليس لها مثيل قط تجعلك ببساطة " تطلع من هدومك وتقلع ملط".


وحين سألنا المسئول عم عبده بتاع تكييف القطر صرح لنا قائلا: أن هذه الخدمة في صالح المواطنين, خاصة هؤلاء المصابون بالبرد, او الروماتيزم , أو من يخافون من الهواء البارد الذي يعشش في العظام ويهد الجسم ولا يخرج منه إلا بعد انتهاء العطلة الصيفية, كما انها خدمة ممتازة لزبائن الهيئة الشتويين, والذين يتمتعون بحرارة الشمس الدافئة داخل القطار المجري في مواسم السقيع خاصة شهر ديسمبر.


وأضاف كذلك قائلا: يا بيه لا يعني كلمة تكيف انه تكييف بارد فقط, ففي اوروبا والدول المتقدمة يكون دائما التكييف ساخنا وباردا, وفي القطار المجري نحن نوفر للمواطنين النوع الساخن, ولكن جهل المواطنين بهذه الاجراءات هو ما يجعلني استشيط غضبا, فمنهم من يريده باردا والآخر يريده ساخنا في نفس العربة, فكيف تطلب مني ارضاء جميع الاطراف!!!!


جـ . القطار الاسباني:


سمي هذا القطار في فترة كبيره جدا بقطار العروسة قديما, حيث كانت جميع عربات القطار تحوي اعلانات لشاي العروسة وعبارات مثل " شاي العروسة, شاي مش نشارة" وكمان "مش عارف تتجوز....طب هاتلك باكو عروسه", وكانت صور العروسة التي تعلو علب الشاي المتعارف عليها منذ ان ولدنا إلى يومنا هذا تزين جدران القطار, وكنت اعشق في طفولتي تأمل هذه العروسة , وأفرح جدا عندما يخبرني والدي بأننا سنركب في قطار العروسة, ولكن في أحد المصايف دخلت القطار فصدمت باختفاء العروسة ووضع رسومات فن تشكيلية عن الحضارة المصرية الفرعونية منها والفلاحية.


ومنذ أياما قليلة علمت بالصدفة انها ازيلت وقتها رأفة بالشباب "اللي خايفين ان يفوتهم قطر الجواز",والتبس بهم الأمر ظنا منهم أن قطار العروسة هو نفسه قطار الجواز, ولكن حكمة القائمين على الهيئة استطاعت ان تزيل هذا اللبس بإزالة اعلانات الشاي, ومنع استخدام اسم قطار العروسة مرة أخرى.


د.قطار النوم:


بصراحة لم اركب يوما قطار النوم, ولكني كنت اراه دائما على المحطة بلونه الاخضر الذي يميزه عن القطار الاسباني صاحب اللون الأحمر, يقال عنه انه يتميز بخدمة فندقة عالية, وفي بحثي هذا لم يسنح لي الوقت للأسف ان اتقصى عنه, ولكن كل ما اعرفه , انه القطار الوحيد الذي لا يمكنك الحجز فيه إلا في منافذ بيع معينة, فلو كنت راكبا مثلا من الصعيد, فعليك السفر أولا إلى الأقصر" اقرب منفذ بيع" قبلها بـ15 يوم وتعود مرة اخرى إلى بلدك لتنتظر قدوم القطار لتركبه, وتبرر الهيئة ذلك, "بإنك لازم تتعب الأول, عشان ترتاح بعدين".


ثالثا:مواعيد القطارات:


بعد شكاوي المواطنين المتعدد بسبب تأخر القطارات عليهم بالساعات سألنا سحلول أبو الليل -والذي يعمل شيالا في محطة الأقصر الدولية بخبرة عشرون عاما لم يكل ولا يمل خلالها - عن هذه الأزمة, فضحك وقال:


" والله الناس دي ما بتحمد ربنا أبدا, زمان كان الجطر يجي في في ميعاده ويتأخر الراكب ولما يفوته الجطر يزعل لما نقوله المفروض احنا اللي نستنا الجطر لكن الجطر ما يستناناش, فرحت انا وزمايلي الشيالين لما لاحظنا كده قدمنا شكوى مستعجلة للهيئة, والهيئة قامت بالواجب وزياده, دلوقتي يجي الراكب زي الباشا في الوقت اللي يعجبه يلاقي الجطر لسه ما شاجي مستني سعادته, ايه احسن من كدييييييه, دي مش بتحصل في اوروبا يا جدعان, ودايما باسمع الاجانب وهما بيشكروا في الحكاية دي ويحسدونا عليها وهما بيربطموا بالعنجليزي بتاعهم اللي مش عم بفهمه ده ويشاوروا بصباعهم الوسطاني عالجطر وهما مزقططين , بس تقول ايه عاد , شعب بيتبتر عالنعمة"


في النهاية احب أشكر سكة حديد مصر لأنها دائما ترعى المواطن المصري وتحتضنه على الرغم من انه دائما ما يكون عبيط ومش فاهم حاجة وبيشتم الهيئة بقمة الجهل بما تضحي به من أجلنا, ولكن لأن الهيئة تتسم باتساع الصدر فإنها لا تغضب من المواطنين بل وتستمر في خدمتهم ولا تمل العطاء أبدا