ذهبت انا وصديقي لنشاهد سويا مباراة انجلترا وسلوفاكيا علي احد المقاهي ، وبعد ان جلسنا لنستمتع بمباراة في فنون الكرة اذا بصاحب الوصلة يعرض لنا مباراة امريكا والجزائر وعندما استفسرنا عن السبب رد صاحب المقهي بان هذا مايطلبه المستمعون ... فاضطررنا آسفين ان نجلس لنتفرج بالعافية علي مباراة لم ارغب عن نفسي في مشاهدتها لكي لا اتحسر علي منتخب بلادي الذي كنت احلم ان اراه مكان هذا المنتخب الاخضر ، بعد ذلك بادرني صديقي بسؤال علي حين غرة عندما سألني " هتشجع مين في الماتش ده ؟" ... سكت لبضعة لحظات ثم اتخذت قراري واعلنت رأيي بصراحة بأن كلا المنتخبين يحتل مكانة سوداء في قلبي فالمنتخب الأمريكي هو ممثل القوة الأولي الباطشة في العالم وسبب معظم المشاكل التي تعيشها المنطقة والمنتخب الاخضر هو الذي سرق منا فرصة التاهل للمونديال والتمتع بلحظات من السعادة تساعدنا علي تخفيف مانعانيه من الآم الحياة اليومية ولقد سرقها عن غير وجه حق ، ولكنني سوف اشجع الجزائر من باب اني انا واخويا علي ابن عمي وانا وابن عمي علي الغريب ...ولكن ما ان اعلنت هذا الرأي وبصوت مسموع نسبيا حتي اشرأبت الاعناق واتجهت الانظار الغاضبة اليً واستقبلت بصدري العاري سيل من الرصاص الكلامي عن سوء اختياري وانعدام الحس الوطني وكأنني أعلنت انني سوف اشجع اسرائيل ووجدت ان ابناء القهوة البواسل اجتمعوا جميعا علي قلب رجل واحد بدون سابق اتفاق علي تشجيعهم للمنتخب الأمريكي وان هذا هو اسمي مراتب النضال الوطني وانني بهذا الاختيار قد اصبحت عميلا غير مرغوب فيه حتي ان صبي القهوجي وهو يقدم لي كوب الشاي الخفيف سكر خفيف نظر اليً شذرا حتي ظننته قد نوي ان يكب هذا الكوب الساخن لكي يهري جتتي ... المهم بدأت المباراة الحماسية وبدأ الناس يتوافدون من كل فج عميق شبابا وشيوخا واطفالاً كلهم جائوا لتشجيع منتخب امريكا الشقيق ... ومع كل فرصة ضائعة للمنتخب الأمريكي كنت أري الحسرة علي عيون المشجعين وتنطلق التعليقات التي تشرح وتحلل مدي سوء وضعية المهاجم الامريكي او سوء تصرفه في هذه الكرة السهلة التي لو كان هو في مكانه لوضعها باصبع قدمه الصغير تعانق الشباك الخضراء ... ثم جاءت اللحظة الحاسمة عندما احرزت امريكا هدفا فانتفضت القهوة تهلل ويعانق الرجل آخاه فرحا بهذا الهدف الجميل ولكن الحلو مايكملش فلقد احتسبه الحكم تسلل فانطلق السباب المحترم يشتم الحكم بأمه وأبيه وكل اللي يتشددله وخصوصا بعد أن قام المخرج الخبيث بإعادة الكرة واثبات ان الكرة لم تكن تسللاً ...مضت المباراة بين شد وجذب فكل فرصه للأخضر الجزائري كان يصاحبها وضع الايادي علي القلوب وكل فرصة للمنتخب الأمريكي يصاحبها رفع الأكف بالدعاء ... واقتربت المباراة من منعطفها الأخير والنتيجة مازالت التعادل السلبي والمنتخب الأمريكي يضيع الفرصة تلو الفرصة وتنطلق التعليقات بأن الحظ الجزائري قد انتصر علي امريكا بينما المعلق الجزائري يشدو ببسالة منتخبه الاخضر ولعبه الجميل في المونديال والتمثيل المشرف للقارة الأفريقية ومع كل كلمة كنت اشعر بأنه يغيظنا ويخرج لنا لسانه وبدأ الغضب يسيطر علي مشاعري من تلك الكلمات التي تتغزل في الاخضر الجزائري واشعر بها تحرق قلبي الأحمر بلون العلم المصري ... حتي جاءت الدقيقة الأولي من الوقت الضائع ويقود لاعبوا الجزائر هجمة عنترية علي المرمي الامريكي كادت ان تثمر عن هدف يدمي قلوب ابناء القهوة البواسل ولكن بفضل الدعاء الصادق المخلص ذهبت الهجمة اشتات الرياح وارتدت بهجمة معاكسة علي المرمي الأخضر اسفرت عن هدف مفاجئ للمنتخب الأمريكي وانطلقت صيحات الفرح بين الحضور وشعرت في هذه اللحظة بأن مصر قد أحرزت كأس العالم !!! ... انتهت المباراة وحمدت الله أنه لم يشأ ان يبيت هؤلاء المساكين وعيونهم تذرف الدموع وأنني قد خرجت سالماً من تلك القهوة دون ان افقد اي عضو من اعضائي الغالية ... لذلك فقد خرجت مسرعا وانا أتدثر بجسد صديقي وأقول " أفلام امريكاني ... أم الجزائري !!"
الثلاثاء، 1 يونيو 2010

عيد ميلادي ... أزمة سنوية !


بالأمس آخر أيام مايو من عام 2010 ... أتممت عامي الثاني والعشرين منذ خروجي إلى هذا العالم الغريب العجيب , وأما اليوم فأنا أحتفل بيوم ميلادي المسجل في دفاتر الحكومة , الاول من يونيو , وبالطبع لا أرى فارقا كبيرا بين اليومين , فكلاهما في فترة من اصعب الفترات السنوية في حياة أغلب البشر , فترة الاختبارات !

فمنذ أن بدأت أمارس حياتي العملية كطالب في مدرسة ابتدائية , بدأ يتحول عيد ميلادي من يوم احتفال سنوي , إلى يوم استعداد لأحد اختبارات نهاية العام , وبدلا من أن يكون يوم فرح وراحة , تحول إلى حفلة سنوية تمارس فيها كل اساليب القلق والتوتر , وأما جملة " كل سنه وانت طيب " فقد حلت محلها " مش هاتقوم تكمل مذاكرة ؟َ! " , وبدلا من فتح الهدايا كنت افتح كتب المدرسة !

في البداية كنت اشعر بالحزن عندما ينسى شخص ما هذا اليوم الذي أراه عظيما , ولكن مع الوقت صرت أنا نفسي أنساه ولا ألقي له بالا, وصرت اعتبره يوما عاديا كسائر الايام , وقد لا أتذكره البته إلا بعد أن يقول أحد ما " ايه ده , انت كان عيد ميلادك من يومين , مش كده ؟! " , وعندما أسمع تلك الجملة الأخيرة أرفع حاجبي الايمن واغمض عيني اليسرى لأعود بالزمن إلى الوراء يومين ثم أرد عليه قائلا ... " لا ياعم , من يومين كان عندي امتحان فيزيا " !

ولكم أن تتخيلوا مدى الحميمية عندما تدق الساعة الثانية عشرة مساء معلنة عن بدء عام جديد في حياتك فتجد ورقة ملقية أمامك , قد تحسبها في البداية كارت معايده تركه لك شخص عزيز , ولكن عندما تتمعن في قراءتها تجدها مجرد ورقة مخطوط عليها قوانين نيوتن للجاذبية , أو معادلات كيمياء عضوية أو حتى مرادفات لكلمة " اضطهاد " !

تقول لي جدتي , انني كنت أرفض الخروج من رحم أمي , فبعد اتمامي شهوري التسع الطبيعية , اعطاني الطبيب فرصة لأعود في قراري واستسلم للخروج إلى هذه الدنيا بمحض ارادتي , ولكنني استمررت في الرفض لأكثر من خمسة عشر يوما اضافيا على مدة اقامتي المفروضة , وفي اليوم الخامس عشر الموافق 31 من مايو من عام 1988 استشاط الطبيب غضبا , وقرر أن يخرجني إلى هذه الدنيا , ويا ليته ما فعل ...

عندما حكت لي جدتي هذه القصة لأول مرة , كان تعليقها في الختام ... " من يوم ما كنت في بطن امك وانت كسلان " , بل أصبحت القصة التي تستشهد بها أمام كل غريب وقريب على مدى كسلي , ولكن على العكس تماما , فهي لم تفطن إلى أن هذه القصة هي خير استشهاد على حكمتي الجنينية , فقد كان هدفي الاول والاخير وقتها هو أن ابتعد عن هذا الفترة , وأن اؤجل موعد نزولي شهرا أو شهرين , لأولد في اجازة نهاية العام فيتسنى لي الاحتفال بيوم مولدي من بعد ذلك ... فأغتنم الهدايا , واستمتع بأكل الحلويات وشرب المرطبات , ولكن للأسف ... قد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن , وحطم ذلك الطبيب كل خططي , ودفن كل أحلامي في بحر مظلم لا يحوي سوى كتبا واختبارات ودرجات نجاح ورسوب !

و بعدما انتشر الموقع الاجتماعي الشهير " الفيس بوك " , وأصبح يذكر الناس بأعياد ميلاد أصدقائهم , توالت التهنئات السنوية بعيد ميلادي , البعض يهاتفني ليتمنى لي سنة سعيدة واختبارا سهلا , أو يكتفي البعض الآخر بكتبة جملة على " الوول " من فصيلة " كل سنه وانت طيب , بس مش فاضينلك " ... وفي وسط هذه الظروف , فمن الطبيعي أن يضيع مفهوم الهدية , وكاستثناء كان البعض يهدونني قلما كنوع من الدعم النفسي أو باعتباره " سلاحا للتلميذ " !

في النهاية ... أعتقد أن أجمل هدية قد أحصل عليها في يوم مثل هذا , هو دعوة خالصة صادقة من القلب بأن تنتهي هذه الفترة على خير , وأن تمر الامتحانات بسلام , وأن أتخرج سريعا حتى أستطيع أن أمارس حقي في الاحتفال بعيد ميلادي !