الاثنين، 2 أغسطس 2010

لجنة شفوي !

بعد أربع سنوات طوال من " الشحططة " بين أقسام كلية الطب رأت عيني ما قد أعجز عن وصفه , وسكنت قلبي مشاعر لن يستطيع أن يشعر بها إلا من يوضع في موضعنا نحن طلبة الطب ...

ولعل أغرب ما قد يمر به المرء طوال دراسته في هذا المجال هي الامتحانات الشفهية , والتي إن قابلت أحدا من كليتنا وسألته عن قائمته لأغرب عشرة مواقف تعرض لها في الكلية , فلن تخلوا بالتأكيد من موقف او اثنين على الاقل لهم علاقة بامتحانات الشفوي ...

فقد عايشت مواقف لزملاء لي سنة تلو الاخرى , كانت دائما ما تصيبني بنوبة من الضحك مختلطة بالذهول , وفي بعض الاحيان تصيبني بالأسى , وكنت أحمد الله انه لم تمر على مثل تلك المواقف .

فأنا لم اقل يوما لممتحني " انت هتقارن حتة طالب في سنه رابعة طب , بأستاذ دكتور زي حضرتك ؟! " , ولم ادخل يوما لجنة الشفوي مرتديا تيشرت الأهلي لأفاجأ بأن ممتحني زملكاويا بالفطرة , ولا حتى كنت من أولئك الطلبة الذين يتم التوصية عليهم من قبل رؤساء الأقسام فأقع من بعد ذلك تحت يد ممتحن ذو ضمير .. فيتعمد أن يجعل مني أمام زملائي خرقة قديمة لا تصلح حتى لمسح أراضي المعامل في الكلية ... و أحمد الله أنني لم أكن ذلك الطالب الذي طرد من لجنة الشفوي لمجرد انه قال أن هذا الموضوع ليس مقررا عليه في المنهج, وذلك الآخر الذي صمم أن كتاب القسم يقول غير ما يقوله الممتحن...

ولعل أقصى ما مررت به غرابة في لجان الشفوي قبل دخولي السنة الرابعة , عندما قمت بنطق كلمة غريبة في ماده الطفيليات بطريقة خاطئة , فوجدت الممتحنة – والتي كانت بالمناسبة رئيسة القسم آن ذاك – أن ما أقوله مدع للضحك والسخرية , لأفاجأ بأنها أصيبت بنوبة من الضحك الهستيري فلم تستطع التحكم في ردود أفعالها التي تباينت بين القهقهة بصوت عال مع التسقيف والتخبيط على المكتب , وأظن أنني يومها رأيت دموعا تخرج من بين عينيها من كثرة الضحك , ولكن لم يكن الأمر بهذا السوء , فلأنني كنت سببا في الترويح عن نفسها , قد بشرتني بدرجة ما كنت لأحلم بأن أحصل عليها لولا طريقتي الغريبة في نطقي لتلك الكلمة ...

ولكن ما حدث في آخر أيام امتحاناتي في السنة الرابعة هو الذي لم أتوقعه أبدا ولم اسمع بمثله لا من قريب ولا من بعيد , فبعد أن ارتديت بذلتي الكاملة وتعطرت واستعددت لخوض آخر معاركي في سنتي الرابعة بابتسامة على وجهي مستبشرا بأسئلة سهلة و " ممتحنة طيبة " ذات وجه بشوش , ولكن بدلا من ذلك وجدت نفسي أمام ذلك الرجل الذي ما أن تنظر إلى وجهه العبوس وتستمع لتعليقاته المستفزة على إجابتك , حتى يقفز التوتر إلى قلبك لتشعر بأن كل ما درسته وان كان بسيطا وسهلا قد تحول أمام عينيك إلى بخار أبيض يحجب عنك الرؤية , مرت الأسئلة معه بسلام نسبي , أجبت على قدر المستطاع وما لم اعرفه تركت أمره لله , وبعد أن أعلمني بأن الامتحان قد انتهى لم يكن مني سوى شكره كعادتي ثم هممت الرحيل منبها من بعدي ليذهب إلى الدكتور بكلمة بسيطة كانت " يللا قوم ... دورك " ... وتركته وأكملت مسيري للخروج من اللجنة , وإذا بي اسمع صوته وهو يصرخ بأعلى ما عنده من صوت , ووجت كل من في اللجنة من ممتحنين وطلبه ينظرون إلي , فعلمت أنني المقصود بكل تلك الاتهامات التي كانت تتمحور حول محاولتي لتغشيش زميلي الامتحان الذي استغرق أكثر من ربع ساعة في ثوان معدودة ... فما كان مني إلا أن قلت له ما بدر مني حين نبهت زميلي بدوره ليس أكثر.. ولم أكن أعلم أنني بذلك أطلقت وحشا كاسرا , حيث قام من كرسيه لأجده يكرر عبارة واحده " أنت مين قالك تنظم اللجنه ... وانت مالك " ...

ولحسن حظي كان جانبي ممتحن آخر قال لي " الحق نفسك ... اعتذر له وامشي بسرعة كأنك ما عملتش حاجة " ... فاعتذرت له ثم أدرت له ظهري لأذهب مسرعا إلى باب اللجنة من قبل أن يخرج سكينا من جيبه ليطعنني به, ولسوء حظي بجوار الباب تماما كان هناك صديقا لي سألني عما يدور.. فقلت له " مافيش " وتركته , فوجدت أستاذي العزيز يزيد من صراخه ولكن هذه المرة مستخدما جملة جديدة ... " شوفوا الواد .. لسه بيبرطم ! ... اشهدوا عليه ... اشهدوا عليه ! "

وهنا توقف عقلي عن التفكير, وكل ما كان يدور في ذهني وقتها هي قصاصة د. أحمد خالد توفيق التي تقول ....

امتحانات الشفوي هي الامتحانات الوحيدة التي تعاقب فيها على سوء حظك